الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه logo إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه
shape
الفتاوى الذهبية في الرقى الشرعية
172055 مشاهدة print word pdf
line-top
باب ما جاء في إتيان السحرة والمشعوذين

سؤال: ما حكم الإسلام في الذي يستعين بالجن في معرفة المغيبات كضرب المندل وما حكم الإسلام في التنويم المغناطيسي وبه تقوى قدرة المنوِّم على الإيحاء بالمنوَّم، وبالتالي السيطرة عليه، وجعله يترك محرمًا أو يشفى من مرض عصبي أو يقوم بالعمل الذي يطلب المنوِّم?
ما حكم الإسلام في قول فلان: (بحق فلان) أهو حلف أم لا؟ أفيدونا.
الجواب: أولا: علم المغيبات من اختصاص الله -تعالى- فلا يعلمها أحد من خلقه لا جني ولا غيره، إلا ما أوحى الله به إلى من شاء من ملائكته أو رسله، قال الله -تعالى- قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وقال -تعالى- في شأن نبيه سليمان -عليه السلام- ومن سخّره له من الجن: فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ وقال -تعالى- عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا .
وثبت عن النواس بن سمعان -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد الله -تعالى- أن يوحي بالأمر تكلم بالوحي، أخذت السماوات منه رجفة، أو قال: رعدة شديدة خوفًا من الله -عز وجل- فإذا سمع ذلك أهل السماوات صعقوا وخروا لله سجدًا، فيكون أول من يرفع رأسه جبريل فيكلمه الله من وحيه بما أراد، ثم يمر جبريل بالملائكة، كلما مر بسماء قال ملائكتها: ماذا قال ربنا يا جبريل فيقول جبريل قال الحق وهو العلي الكبير. فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل فينتهي جبريل بالوحي إلى حيث أمره الله -عز وجل- .
وفي الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانًا لقوله، كأنه سلسلة على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم? قالوا للذي قال: الحق وهو العلي الكبير، فيسمعها مسترق السمع، ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض، ووصف سفيان بكفيه فحرفها وبدد بين أصابعه، فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها وربما ألقاها قبل أن يدرك، فيكذب معها مائة كذبة، فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا كذا وكذا? فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء .
وعلى هذا لا يجوز الاستعانة بالجن وغيرهم من المخلوقات في معرفة المغيبات لا بدعائهم والتزلف إليهم، ولا بضرب مندل أو غيره، بل ذلك شرك؛ لأنه نوع من العبادة، وقد أعلم الله عباده أن يخصوه بها فيقولوا: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ وثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال لابن عباس إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله الحديث.
ثانيًا: التنويم المغناطيسي ضرب من ضروب الكهانة باستخدام جني، حتى يسلطه المنوِّم على المنوَّم، فيتكلم بلسانه، ويكسبه قوة على بعض الأعمال بالسيطرة عليه، إن صدق مع المنوم وكان طوعًا له مقابل ما يتقرب به المنوِّم إليه، ويجعل ذلك الجنيُّ المنوَّم طوع إرادة المنوِّم بما يطلبه منه من الأعمال، أو الأخبار بمساعدة الجني له إن صدق ذلك الجني مع المنوم، وعلى ذلك يكون استغلال التنويم المغناطيسي واتخاذه طريقًا، أو وسيلة للدلالة على مكانة سرقة أو ضالة، أو علاج مريض، أو القيام بأي عمل آخر بواسطة المنوم- غير جائز، بل هو شرك لما تقدم، ولأنه التجاء إلى غير الله فيما هو من وراء الأسباب العادية التي جعلها -سبحانه- إلى المخلوقات وأباحها لهم.
ثالثًا: قول الإنسان: (بحق فلان)، يحتمل أن يكون قسمًا -حلفًا- بمعنى أقسم عليك بحق فلان، فالباء باء القسم، ويحتمل أن يكون من باب التوسل والاستعانة بذات فلان أو بجاهه، فالباء للاستعانة، وعلى كلا الحالتين لا يجوز هذا القول.
أما الأول: فلأن القسم بالمخلوق على المخلوق لا يجوز، فالإقسام به على الله -تعالى- أشد منعًا، بل حكم النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن الإقسام بغير الله شرك، فقال: من حلف بغير الله فقد أشرك رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم وصححه. .
وأما الثاني: فلأن الصحابة -رضي الله عنهم- لم يتوسلوا بذات النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا بجاهه لا في حياته ولا بعد مماته، وهم أعلم الناس بمقامه عند الله وبجاهه عنده، وأعرفهم بالشريعة، وقد نزلت بهم الشدائد في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- وبعد وفاته، ولجئوا إلى الله ودعوه لكشفها، ولو كان التوسل بذاته أو بجاهه -صلى الله عليه وسلم- مشروعًا لعلمهم إياه -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه لم يترك أمرًا يقرب إلى الله إلا أمر به وأرشد إليه، ولعملوا به -رضوان الله عليهم- حرصًا على العمل بما شرع لهم، وخاصة وقت الشدة؛ فعدم ثبوت الإذن فيه منه -صلى الله عليه وسلم- والإرشاد إليه وعدم عملهم به دليل على أنه لا يجوز.
والذي ثبت عن الصحابة -رضي الله عنهم- أنهم كانوا يتوسلون إلى الله بدعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- ربه؛ استجابة لطلبهم ذلك في حياته، كما في الاستسقاء وغيره، فلما مات -صلى الله عليه وسلم- قال عمر -رضي الله عنه- لما خرج للاستسقاء: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيُسْقَوْن يريد دعاء العباس ربه وسؤاله إياه، وليس المراد التوسل بجاه العباس؛ لأن جاه النبي -صلى الله عليه وسلم- أعظم منه وأعلى، وهو ثابت له بعد وفاته كما كان في حياته، فلو كان ذلك التوسل مرادًا لتوسلوا بجاه النبي -صلى الله عليه وسلم- بدلا من توسلهم بالعباس لكنهم لم يفعلوا، ثم إن التوسل بجاه الأنبياء وسائر الصالحين وسيلة من وسائل الشرك القريبة كما أرشد إلى ذلك الواقع والتجارب، فكان ذلك ممنوعًا سدًّا للذريعة وحماية لجناب التوحيد.
وصلى الله على نبينا محمد آله وصحبه وسلم .

line-bottom